لماذا الـ (21) من سبتمبر رؤية تحليلية

مدخل:

منذ العام 2011م وما رافقه من أحداث أدت إلى انقسامات هائلة داخل مؤسسات الدولة كالجيش والأمن وغيرها بالإضافة الي انقسامات اجتماعية وسياسية حادة اختلطت فيها الصراعات على المستوي الشخصي، مع الصراعات على المستوى الوطني، واليمن يمر بمرحلة انتقالية صعبة ومعقدة.

ففي ظل حالة الاحتراب والتوتر بين مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية والمناطقية وفي ظل سياق سياسي هش مثل فسيفساء متعددة من الجماعات القبلية والمذهبية، عانى فيه المواطنون اليمنيون من العديد من الأزمات الاقتصادية التي تمس حياتهم اليومية بشكل مباشر بدءاً بأزمة المشتقات النفطية مروراً بانخفاض معدل الدخل للفرد، أتت ثورة الـ 21 من سبتمبر لتمثل الأمل الأخير للخروج من وضع متردي أوجدته جملة من الظروف السياسية والاجتماعية التي فرضت نفسها على الواقع القائم آنذاك.

اليمن ما قبل الـ 21 سبتمبر

1 – الأوضاع الاقتصادية

تميّزت أوضاع اليمن الاقتصادية بالأزمات المتلاحقة، فميزانية الدولة اليمنية ترزح تحت ضغط شديد نتيجة لما تركته أزمة العام 2011 وما نجم عنها من آثار سلبية على الاقتصاد المنهك أساساً، حيث أدت إلى هبوط إجمالي الناتج المحلي بما يتجاوز12%([1])، كما ارتفعت حصة المدفوعات المخصصة لمرتبات القطاع العام لتصل إلى 11% من إجمالي الميزانية العامة للدولة([2])، ووصلت نسبة العجز النقدي الصافي إلى الناتج المحلي الإجمالي 8،29% في العام 2014([3]). ويصف صندوق البنك الدولي الوضع الاقتصادي في اليمن بأنه وضع هش، وأن هناك تحديات اقتصادية جسيمة تواجهه؛ حيث وصل نصيب الفرد من الناتج الإجمالي إلى 1367 دولاراً سنوياً فقط([4]).

كما أن معدل التضخم الأساسي الذي يستثني أسعار المنتجات المتقلبة (المواد الغذائية، التبغ، القات) وصل إلى 10.9% في مارس 2014م، ووصل تضخم أسعار الملابس والأحذية حتى 37.6% في الشهر نفسه([5]).

كل هذه الأرقام تعكس الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه اليمن، والتي تأزمت بسببها الأوضاع السياسية والاجتماعية؛ فمنذ أزمة 2011م حدث انفلات أمني أدى إلى تفكك الأوضاع الأمنية وخروجها عن السيطرة، حيث قامت بعض قبائل محافظة مأرب بتفجير أنابيب النفط والغاز وتفجير أبراج الكهرباء التي تزوِّد العاصمة بالطاقة الكهربائية، كما قام عدد من قبائل طوق صنعاء بتقطعات قبلية في الطرق لمنع وصول إمدادات الغاز المنزلي والبنزين ومادة الديزل، كل هذه الأمور أدت إلى حرمان الخزينة العامة للدولة من روافد مهمة لميزانيتها([6]).

بالإضافة إلى تراجع الصادرات النفطية التي توفِّـر ما يقارب 75% منْ إيرادات الدولة اليمنية، والتي هي في طريقها إلى النضوب، بعدما تراجعت مِنْ 450،000 برميل يومياً، في العام 2003، إلى 280،000 برميل يومياً في العام 2009([7]). وهو الأمر الذي سيتزايد معه اعتماد اليمن على المساعدات الدولية([8])، إذ يعتقد الخبراء أن تصدير النفط سيتوقف من اليمن خلال العام 2017 وأن الحكومة اليمنية لن تكسب أي دخل مادي من خلال تصدير النفط وبالتالي فالاقتصاد اليمني يتجه نحو التفكك باعتبار أن الإيرادات النفطية هي الأساس الذي تعتمد عليه الحكومة اليمنية لتمويل الإنفاق الرسمي، مما يعيقها عن حكم أراضيها كافة.

وخلال الأعوام الثلاثة التالية ارتفعت نسبة الفقر حتى وصلت إلى أكثر من 54.5% من إجمالي مجموع السكّان وهي نسبة هائلة، وقفز معدل البطالة بين الشباب حتى وصل إلى 60% و 54% بين النساء على اعتبار أن العمل الزراعي الذي تقوم به المرأة عمل منتج([9]).

كانت ممارسات السلطة الحاكمة بعد أزمة 2011م هي ما فاقم الأوضاع الاقتصادية عبر التوظيفات الهائلة لعشرات الألاف من المجندين الجدد في المؤسستين العسكرية والأمنية، وادخال العديد من الكوادر الحزبية في مناصب عليا في الدولة دون أن يكونوا في السلك الوظيفي، هذه الممارسات تسبَّبت بضغط هائل على الموازنة مما أدى إلى عجز في الموازنة وصل إلى 24% في العام 2014م، كما فاقمت مشكلة الدين العام الداخلي حيث وصلت إلى نسبة 120% في نهاية 2013 وهي نسبة تتجاوز الحد الآمن([10]).

ونتيجة لكل هذه الأسباب والتراكمات تراجعت جودة الخدمات في مجال الصحة والكهرباء والمياه والتعليم وكافة مناحي الحياة، كما أدت إلى انهيار البنية الأساسية، إما نتيجة عدم وجود ميزانية تشغيلية للحفاظ على ما هو قائم منها، وإما نتيجة الصراعات المسلحة بين الجماعات المختلفة التي أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية التحتية كالطرق والمدارس والجامعات ومحطات الكهرباء والمياه والمصانع وغيرها.

لقد أدرك الباحثون والمختصون أن البرامج الاقتصادية النيوليبرالية كانت سبباً مباشراً لمشكلات سياسية عصفت ببعض الحكومات العربية لعدم مراعاتها لخصوصيات تلك البلدان، لكن القليل منهم تكهن بعواقب تلك البرامج لجهة تغيير الأنظمة وتعريضا للتفكك والانحلال، بل وبالغ بعض الأكاديميون في تقدير الأثر التحسيني للنمو الاقتصادي الناجم عن الاصلاحات، متجاهلين حجم الاستياء الشعبي من الفساد والخصخصة التي صاحبت الاصلاحات ([11]).

2 – الأوضاع السياسية

قدمت دول مجلس التعاون الخليجي في 3 أبريل (نيسان)2011م ما عُرف بـ”المبادرة الخليجية”([12]) في محاولة منها لحل الأزمة اليمنية، نصَّت على أن يقوم رئيس الجمهورية بتكليف المعارضة بتشكيل حكومة وفاق وطني بنسبة 50 % لكل طرف، على أن تشكَّل الحكومة خلال مدة لا تزيد عن سبعة أيام من تاريخ التكليف. وأن تبدأ هذه الحكومة بتوفير الأجواء المناسبة لتحقيق الوفاق الوطني وإزالة عناصر التوتر سياسياً وأمنياً، ثم يعقد مجلس النواب جلسة يمنح فيها الحصانة ضد الملاحقة القانونية والقضائية للرئيس ومن عملوا معه خلال فترة حكمه، يقدم بعدها رئيس الجمهورية استقالته إلى مجلس النواب ويصبح نائب الرئيس هو الرئيس الشرعي بالإنابة بعد مصادقة مجلس النواب على الاستقالة. ثم يدعو الرئيس إلى انتخابات رئاسية في غضون 60 يوماً بموجب الدستورعلى أن يشكل الرئيس الجديد المنتخَب لجنة دستورية للإشراف على إعداد دستور جديد يُعرَض على استفتاء شعبي، فإذا أُجيز الدستور بالاستفتاء يتمّ وضع جدول زمني لانتخابات برلمانية جديدة، ويكلّف الرئيس الحزب الفائز بأكبر عدد من الأصوات لتشكيل الحكومة. على أن تكون دول مجلس التعاون والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي رعاة لتنفيذ هذا الاتفاق.

لكن هذه المبادرة لم توقّع إلا في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 بعد حادثة جامع دار الرئاسة، وبعدما تم وضع آلية تنفيذية مزمنة لبنودها، إلا أن معظم الأطراف تعاملت مع هذه المبادرة بانتقائية شديدة، ونُفِّذَ منها ما يتناسب مع مصالحها، من دون النظر إلى عواقب هذه الانتقائية في المشهد السياسي اليمني، شمالاً وجنوباً، ما تسبب في انفجار الصراع المسلح في معظم أجزاء اليمن؛ فعند تشكيل الحكومة تم الأمر بمعزل عن القوى المشاركة بفعالية في الحراك الشعبي شمالاً وجنوباً كحركة أنصار الله والحراك الجنوبي المنادي بفك الارتباط عن دولة الوحدة فقامت القوى السياسية التقليدية (الحزب الحاكم “المؤتمر الشعبي العام” وأحزاب المعارضة “اللقاء المشترك تحت قيادة التجمع اليمني للإصلاح”) بتقاسم السلطة والحكومة وهي نفس الأطراف التي كانت تحكم اليمن منذ 33 عاماً مع تمثيل خجول وهامشي لبعض أطراف اللقاء المشترك (الحزب الاشتراكي اليمني، التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، حزب الحق، وحزب البعث العربي الديمقراطي)، حيث سيطر الحزبان الأساسيان، المؤتمر والإصلاح على معظم المناصب الأساسية والعسكرية. وفي 21 شباط (فبراير) 2012 جرت الانتخابات الرئاسية كما هو مقرر في المبادرة الخليجية بمرشح توافقي وحيد هو الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي الذي كان نائباً لرئيس الجمهورية السابق على عبد الله صالح.

كانت المبادرة الخليجية هي من يعطي المشروعية القانونية والشرعية السياسية([13]) للسلطات الحاكمة في اليمن منذ توقيعها حيث نصَّت على أن “يحل الاتفاق على المبادرة الخليجية وآلية تنفيذها محلَّ أي ترتيبات دستورية أو قانونية قائمة، ولا يجوز الطعن فيهما أمام مؤسسات الدولة”. وكان من المفترض وفق بنود المبادرة أن تتم الدعوة لانتخابات رئاسية جديدة في 21 فبراير (شباط) 2014م عُقد مؤتمر الحوار الوطني وتوصل الفرقاء السياسيون إلى إتفاق يعطي المشروعية القانونية والشرعية السياسية لسلطات الرئيس الانتقالي بحيث تم التمديد له عاماً إضافياً وفق ما تنص عليه وثيقة الضمانات بين القوى السياسية الموقعة بتاريخ 23 يناير (كانون الثاني) 2014، على أن يتم تغيير الحكومة بما يضمن الشراكة الوطنية والكفاءة، لكن لم يحدث أي جديد على المستوى السياسي، بعد مضي فترة طويلة على انتهاء أعمال مؤتمر الحوار الوطني، ولم يتم تنفيذ أي من مخرجاته، على الرغم من الاتفاقات التي كانت تنصّ على تنفيذ بعض المخرجات خلال شهر من انتهاء أعمال المؤتمر.

3 – الأوضاع الاجتماعية

تدهورت الأوضاع الاجتماعية بشكل كبير حيث وصلت نسبة الفقر إلى مستويات مخيفة وتدهورت العملية التعليمية فبلغت نسبة التسرُّب من التعليم، حسب وزير التربية والتعليم، 55% (نسبة تسرب الإناث 74% ونسبة تسرب الذكور 36%) كما أن نسبة الأمية بلغت 48%([14]).

وفي الوقت الذي مثل الشباب القوة المحركة الرئيسية للاحتجاجات الشعبية، والشريحة ذات التمثيل الأكبر بالنسبة لعدد السكان، إلا أنها لم تلمس أي تغيير يمكن أن يمثل فارقاً محسوساً لما خرجوا من أجله بل تعاظم الإحساس بالظلم الاجتماعي الناجم عن حالة الفساد واستئثار حفنة قليلة من المستفيدين من النظام بجزء هام من الاقتصاد الوطني في القطاعات المنتجة كافة([15]) الأمر الذي أدي بالنتيجة إلى فقدان الثقة المتزايد في النظام الذي حل بديلاً لنظام صالح إن جاز القول، وأعاد التموضع في منظومة الفساد الحالية.

4- الأوضاع الأمنية

يمكن القول إنه منذ البدايات الأولى للعام 2011م وما تلاه من أحداث متسارعة، دخلت اليمن في دائرة صراعات لا منتهية، صراعات عسكرية وقبلية ومذهبية؛ ففي وقتٍ كانت فيه قوى الحراك الشعبي وقوى السلطة تعقد مؤتمر الحوار الوطني في فندق “موفمبيك” كانت الصراعات العسكرية تجري على أشدها، حيث فُرِضَ حصارٌ خانق على محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لأنصار الله، من جميع الاتجاهات: حرض من الغرب، وكتاف من الشرق، وخمر من الجنوب، وأرحب وغيرها من المناطق، بمشاركة قوى سلفية، وقوى عسكرية، وقوى قبلية بزعامة حسين بن عبدالله الأحمر، الأخ الشقيق لشيخ مشائخ حاشد، الشيخ صادق بن عبدالله الأحمر، إلا أن أنصار الله استطاعوا كسر الحصار من جميع الاتجاهات، ونقلوا المعارك إلى عقر دار أولاد الشيخ الأحمر، ودخلوا كامل محافظة عمران عسكرياً وتمت السيطرة على منازل أولاد الشيخ عبدالله الأحمر وأخرجوهم من المنطقة، وسيطروا على منطقة كتاف المركز الرئيسي للسلفيين في شمال اليمن، كما تم اخلاء دار الحديث والذي كان مركزاً رئيسياً لتنظيم القاعدة، وقاعدة تدريبية لهم، وتم نقل شيخ السلفية في اليمن، الشيخ يحيى الحجوري من منطقة دماج بمحافظة صعدة إلى صنعاء بوساطة رسمية تبنتها بعض القوي السياسية القائمة وقتها، حيث أصبحت حركة أنصار الله على تماس مباشر مع عاصمة البلاد، وفي الجانب الآخر حدث صراع عسكري محدود في الجنوب بين جيوب مسلحة، في الحراك الجنوبي السلمي المنادي بفك الارتباط عن دولة الوحدة والعودة إلى ما قبل 1990م واستعادة دولة الجنوب وبعض ألوية الجيش المنتشرة بالجنوب، وقعت أيضاً صراعات مسلحة ذات طابع قبلي شمال ووسط اليمن.

ويفسر ذلك بأن اللاتجانس الوطني بعناصره: المذهبي والمناطقي والقبلي يعيق أو يبطئ عملية الانتقال في دول الإصلاح الجزئي (واليمن مثال على ذلك) التي تفتقد بُعْدَ اللاتجانس الإثني ولكنها تستعيض عنه بعمق الانقسام الجهوي “شمال ـ جنوب” والانقسام المذهبي والتشظي القبلي([16])، فهذا اللاتجانس أدى إلى تعاظم الميل إلى قوى التماسك القرابية والمذهبية والمناطقية الأمر الذي أعاق العملية السياسية برمَّتها، كونها لم تقم على أسس وطنية وعدالة اجتماعية مقبولة من الجميع.

ثورة 21 سبتمبر 2014م

على الرغم من المطالبة المستمرة من قبل حركة أنصار الله والقوى الحليفة حينها بما فيها الحراك الجنوبي بضرورة الالتزام بالاتفاقات السياسية واعتماد أطر ومرجعيات سياسية ثابتة لحل أي اشكاليات قد تطرأ، ومحاولة جسر الهوة الآخذة في الاتساع بين المكونات السياسية الآنفة الذكر والسلطة؛ إلا أن النظام لم يستجب لهذه المطالب، كما لم يستطع التكيف مع المتغيرات المتسارعة على المستوى السياسي بالإضافة إلى عجز النظام الاقتصادي عن استيعاب حركة الانتقال السريع للمواطنين من الريف إلى الحضر ومحاولة دمجهم في المجتمع، فكانت هذه الفئة من الناس هم الأكثر قابلية و استعداداً للانخراط في الحراك الشعبي والالتحاق بالحركات المعارضة. كما أن الجماعات التقليدية (الأحزاب والتنظيمات، والمشائخ) لم تهتمّ بعامة الناس، والفقراء منهم على وجه التحديد، فتفاقمت الضائقة المالية وتضاعفت مع ازدياد عدد السكان، وضعف الموارد الطبيعية، كل هذه العوامل أدَّت إلى اضعاف الوجدان الجمعي، بحسب دوركهايم، وفُقِدت الروابط المشتركة التي كانت سائدة بين المجموعات العليا والدنيا، بحسب أوبرشال، فأدى ذلك كله إلى تسرب الأفكار الجديدة ودخول جماعات جديدة على الواقع اليمني، تكوَّنت من خلال التأثير الانتشاري من المجتمعات المحيطة([17])، وهكذا نشأت الحركة الاحتجاجية 2014 كتتويج لهذا الواقع.

وصلت القوى السياسية إلى قناعة بأن جذور هذه الأزمات هو الحكم الفردي الاستبدادي المستند إلى عصبوية سياسية عملت على تكريس المركزية غير المؤسسية بهدف احتكار السلطة والثروة([18]). وهكذا، تدنَّت نسبة الثقة بالنظام السياسي ومؤسساته؛ في ظل هذه الأوضاع انفجر الحراك الشعبي وهي نتيجة طبيعية لمعظم هذه المظاهر التي مر بها المجتمع اليمني واتجهت بالتالي نحو العنف مستفيدة من الأوضاع الاقتصادية المتردية والفقر المتزايد.

اليمن على المستويين الإقليمي والدولي

يمثل الموقع الجغرافي لليمن أهمية استراتيجية وحيوية حيث يمتد عبر جنوب المملكة العربية السعودية وغرب سلطنة عمان، ويشترك معهما في حدود واسعة ويسيطر على مضيق باب المندب وهو أقصر الطرق البحرية لنقل النفط من الخليج إلى الأسواق في أوروبا وأميركا الشمالية، ما يجعل المجتمع الدولي ودول الاقليم تحرص على عدم وصول اليمن إلى حافة الانهيار، حفاظاً على أمن الطاقة العالمي، سواءً في دول الإنتاج (دول الخليج) أو طرق الإمداد (مضيق باب المندب) وكلاهما يؤثِّـر فيه اليمن تأثيراً كبيراً، فيما لو سيطرت على اليمن جماعات العنف السياسي (كتنظيم داعش والقاعدة) بالإضافة إلى أن لجزيرة سقطري أهمية تضاهي أهمية مضيق باب المندب، فهي تقع وسط البحر العربي وخليج عُمان وتمثل بوابة المحيط الهندي، وهو ما مكنها من السيطرة على الملاحة البحرية سواء كان في مضيق باب المندب أو مضيق هرمز، وبالتالي فهي تمثّـل موقعاً عسكرياً وسطياً مثالياً. وهناك معلومات تؤكد سعي الولايات المتحدة الأميركية لجعلها قاعدة عسكرية بحرية متقدمة ومهمة تخدم أكثر من غرض عسكري في الشرق الأوسط وغرب أفريقيا، وحتى أسيا الوسطى التي تمثّـل المجال الحيوي للاستراتيجية الأميركية الجديدة([19]).

علاوةً على الموقع الجغرافي، هناك الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، وعدم الاستقرار السياسي والنمو السكاني الأعلى في الوطن العربي، ووزن اليمن الديمغرافي الكبير (25 مليون نسمة) مقارنة بدول الخليج، وتصنيف اليمن كدولة فاشلة.. وتلك أمور قد تؤدي إلى تحطيم النظام الإقليمي الخليجي بصورة كاملة، إن لم تتم مواجهة التهديد الذي يمثّـله اليمن ومساعدته على الخروج من معضلاته الأمنية والسياسية والاقتصادية المعقدة([20]).

الصراعات الإقليمية والدولية على الساحة اليمنية

بالرغم من حالة التدهور التي تشهدها اليمن في ناحية الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، أضاف التدخل الخارجي ببعديه الإقليمي والدولي حالة من الانقسام أدت إلى حرب استنزاف طويلة بين الأطراف السياسية، حيث دعمت السعودية بشكل مباشر الحروب التي شنت ضد أنصار الله بمحافظة صعدة على مدار الحروب الست التي سعت إلى القضاء عليهم وإلغائهم من المعادلة السياسية، فيما تجلى التدخل الدولي في دور مجموعة الدول العشر أو ما عرف اختصاراً بــــــــ (G10) وهم سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وسفراء كل من قطر وسلطنة عمان والسعودية والكويت والإمارات حيث كان لهم تأثير سياسي ملموس، فخلال أحداث 2014 طغت المخاوف الأمنية على الساسة الأمريكيين وسفارتهم في صنعاء، على المخاوف الأخرى؛ حيث كانت قد استثمرت في الرئيس السابق عبدربه منصور هادي وجهازه الأمني، كما استطاعت تفكيك الجيش اليمني وضمان ولاءات قادته الجدد.

أما الرياض فقد أصابها القلق من الوضع في اليمن وهو ما قادها إلى إنتاج المبادرة الخليجية بالاتفاق مع أعضاء آخرين في مجلس التعاون الخليجي، واستطاعت الضغط على الأطراف السياسية للقبول بها لما تتمتع به من نفوذ كبير في أوساط القبائل اليمنية والأحزاب والنخب السياسية، ولم يكن في مصلحتها تغير الأوضاع السياسية في اليمن نحو وصول قوى جديدة غير مسيطر عليها إلى السلطة والحكم في اليمن، فقد كشف الربيع العربي أن قلق دول مجلس التعاون الخليجي تجاه إيران هو الثابت الوحيد في التفكير الاستراتيجي والأمني الخليجي([21])، بعدما بات بإمكان إيران النفاذ إلى الساحة اليمنية مع انهيار منظومة السلطة القائمة التي كانت تمانع أي دور لإيران في اليمن، ونجحت في تحقيق ما أرادته، لأن المبادرة الخليجية استثنت طرفين أساسيين ومؤثرين في المشهد السياسي خلال أحداث العام 2011، وهما: الحراك الجنوبي، وحركة أنصار الله، فكسبتهما إيران إلى جانبها.

بالمقابل برزت عوامل كثيرة جعلت دول الخليج، وبخاصة العربية السعودية، تشعر بالتهديد الشديد، كتنامي البطالة في صفوف الشباب اليمني (تبلغ نسبة الشباب 33.8% من عدد السكان الإجمالي، وتبلغ نسبة البطالة بين الشباب 60%) والعامل القبلي وقوة تأثيره في المجتمع، وانعدام التأثير الحقيقي للسلطة بعد العام 2011، ونشوء جماعات قوية شعبياً استفادت من انهيار مؤسسات الدولة القائمة، والصراع السياسي بين الجماعات المتصارعة على السلطة والثروة، وانسداد الأفق السياسي، وانتشار السلاح، والتنوع المذهبي، كل هذه العوامل استفادت منها جماعة أنصار الله، والحراك الجنوبي، مما أدى لقلق سعودي أمريكي مشترك من خروج الأمر عن السيطرة، وباختصار، يشكّل اليمن جغرافياً وديمغرافياً مصدر تهديد لجيرانه إذا تمكَّن تنظيم القاعدة من وضع قواعد ثابته له في اليمن بعد أن سعت السعودية إلى إرغام تنظيم القاعدة على نقل عملياته من أراضيها([22]).

في الوقت نفسه، أصبح اليمن مجالاً حيوياً لمصالح عدد من الدول كالسعودية وإيران والولايات المتحدة، ومن الممكن دخول روسيا على خط الصراع الداخلي، بعد خلافها مع أميركا في أوكرانيا في حال تنسيق المواقف ما بين روسيا وإيران، كل هذه العوامل من أوضاع (سياسية – اقتصادية – اجتماعية) إضافة إلى الصراع الإقليمي وعدم الفهم الكامل للواقع اليمني الديناميكي والمتغير الولاءات أوصلت الأمور إلى طريق مسدود في كافة النواحي فكان لابد من إجراء عملية جراحية لمعالجة الأوضاع فكانت ثورة الـ(21) من سبتمبر التي أتت كتتويج لحل وضع معقد و معاناة طويلة من الإقصاء والاستفراد بالسلطة والاستئثار بالثروة والممانعة في التغيير نحو الشراكة الوطنية بين كافة المكونات.

وكان أحد أسباب هذه الممانعة والرفض للتغيير هي الدول الإقليمية (السعودية) والدولية (أمريكا) مما أوصل الأمور إلى حالة من الانفجار الشامل.

يحسب لحركة (21) من سبتمبر أنها أتت كحل جذري غيرت من تركيبة السلطة القائمة تغييراً كاملاً ما سمح بتهيئة الأجواء نحو بناء شراكة وطنية حقيقية بين مختلف المكونات الاجتماعية والسياسية كما عبر عنه إتفاق السلم والشراكة الموقع في صنعاء.

لكن ما حدث بعدها من أحداث وتغيرات لا تسمح بتقييم نتائج حركة (21) سبتمبر نتيجة لما تتعرض له اليمن من عدوان سعودي همجي بأوامر مباشرة من واشنطن ودعم وإسناد كامل، فتسارع الأحداث لم يترك مجالاً لتقييم موضوعي لما تم بعد (21) سبتمبر والذي ليس مجاله هنا فهو بحاجة لإفراد تحليل مستقل به.

مقالات ذات صلة

إغلاق