عبدالقادر هلال في ذكراي وذاكرتي التشييع والتأبين (3)

عبدالقادر هلال في ذكراي وذاكرتي
التشييع والتأبين (3)

مسجدان كان عبدالقادر هلال يعشقهما ويحب الصلاة فيهما بخلاف دونهما : الجامع الكبير بصنعاء والجامع الكبير بالروضة وكان يقول لي بأنه لا يشعر بالروحانية والخشوع إلا فيهما .
ها هو اليوم قد زار الجامع الكبير بصنعاء ولكن على غير الزيارات العادية السابقة !! ففيما مضى كان يزوره ليصلي فيه ويستشعر الخضوع والرهبة وهو يرى المصلين والدارسين وحلقات الذكر والعلوم الشرعية ويتذكر الزاوية التي كان يجلس فيها والده العالم الرباني الزاهد علي بن هلال الدبب رحمه الله وحوله طلاب العلم ينهلون من معينه الغدق لكنه اليوم يدخله على غير العادة وبدون موعد مسبق أو مُرتَّبٍ له !! إنه يلجُه جسداً حيث الروح ترفرف في ملكوت الله محمولاً على الأكتاف لِيُصَلَّى عليه وهو مُسَجَّى بوجهه البشوش وابتسامته المعتادة في وجوه مودعيه وكأنه يُطمئن الأهل والأحبة قائلاً (( يا ليت قومي يعلمون . بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين )) !!
عبدالقادر هلال شُيِّع اليوم إلى مثواه الأخير في تأبينٍ حزين ذرف فيه الأحبة دموع الوداع في عزاء الوطن المكلوم برحيل الإبن البار !!
صنعاء اليوم إتَّشحت بالسواد وهي تودِّع أبناءها الشهداء وتحتضن الجثمان الطاهر لصاحب القلب الطاهر النقي الذي أحبها وتفانى في حبها عبدالقادر هلال .
صنعاء اليوم تكتسي ثوب الأحزان على شهدائها وتضم بين ثراها الزكي جثامينهم الطاهرة والجثمان الشريف لابنها المخلص الحكيم العاقل عبدالقادر هلال .
صنعاء اليوم تذرف دموع الحزن وهي تستقبل حمامة السلام وسفير الحب والوئام ورجل التسامح والإعتدال عبدالقادر هلال شهيداً .
عبدالقادر هلال اليوم يُشيَّع بلعنات الطغيان والعدوان والظلم والجبروت الذي يقتل الإنسان ويعيث في اليمن فساداً .
عبدالقادر هلال ينعي القيم والأخلاق التي استفردت بها الأحقاد والضغائن التي طفحت بها قلوب وصدور الحُسَّاد .
إنني بعيد عنك بجسدي يا صديقي بينما روحي وعقلي معك , يفصلني عنك آلاف الكيلو مترات وكَم كنت أتمنى حضور التشييع والصلاة عليك بنفسي كما قلت لي ذلك قبل شهور : ( إذا لقيت الله قبلك فصلي عليَّ أنت وأدعو لي من ذيك الدعاء حقك لأنني ما بين أحب مثل حضور دعائك وأكثر ما يُرغبني في حضور الجمعة هو الدعاء الذي بتثلج به صدري وصدور المصلين ) .
سأصلي عليك يا صديقي هنا حيث أنا بعيد عنك وسأدعوا لك بما كنت تحب ولك مني العهد ألَّا أنساك من الصلة يومياً حتى ألحق بك .
يا صديقي الشهيد : ها أنت تجاور الوالد الولي والأخ الشهيد وتلحق بهما شهيداً وقلبي المفطور الذي يعرف مناقبك وصفاتك ومثاليتك ابناً وزوجاً ووالداً وأخاً وصديقاً يتوجه نحو والدتك العظيمة والمربية المكلومة ليرى حجم فاجعتها ويتوجه صوب زوجتيك الفاضلتين الصابرتين ليرى حجم أسى قلبيهما ويتوجه نحو الإبنين المفجوعين الحسن والحسين ليرى حجم الجرح الغائر في صدريهما ويتوجه نحو بناتك المقهورات الحزينات ليرى حجم المصيبة التي نزلت بهن ويتوجه صوب الإخوة والأخوات , الأقارب والأصدقاء والأحبة ليرى حجم الصدمة بين حنايا ضلوعهم فأُعزِّي وأُعزي , أُواسي وأُأسِّي .. قلوبنا حزينة وعيوننا دامعة وإنّا على فراقك يا ابن هلال لمحزونون .
لقد أراحك الله من عناء هذه الحياة وصراعات إنسانها واختارك لتكون جواره فسلام الله على روحك الطاهرة فقد عشت عظيماً ورحلت من هذه الدنيا عظيماً كما عشت .
نم يا صديقي قرير العين مطمئن النفس فدمك الطاهر ودماء رفاقك بركان الغضب الذي أوقض الراقدين وأزال غشاوة المراوغين .
أسأل الله أن يجمعني بك في جنان عدنه الوارفة كما جمعني بك في دنياه الفانية .
الإثنين 9 محرم الحرام 1438ه الموافق 10 أكتوبر 2016م .

مقالات ذات صلة

إغلاق