في أن أمريكا بدأت معركة “تكسير العظام” مع السعودية (1 – 2)

د. اسماعيل صبري مقلد

أكاديمي مصري- استاذ العلوم السياسية بجامعة أسيوط

بهزيمة الفيتو الرئاسي وإصدار الكونجرس الأمريكيلقانون العدالة ضد رعاة الإرهاب، يمكن القول بأنه قد بدأت معركة تكسير العظام مع السعودية، وتسديد الضربات اليها تحت الحزام، وهي الأخطر على الاطلاق.

وبالتأكيد، فإنه لم يكن من الممكن أن يحدث ذلك الانزلاق الخطير بينهما نحو المواجهة الا اذا كان تقييم أمريكا لأهمية السعودية في سلم أولويات استراتيجيتها العربية والشرق أوسطية قد تراجع كثيرا عن ذي قبل، وهي قناعتي التي سبق وأن عبرت عنها في احدي رسائلي.

أما عن عوامل وأسباب هذا التراجع فيمكن ايجازها في أن السعودية كانت فقدت بعض أوراق اللعبة التي تمسك بها بسبب متغيرات اقليمية لم تكن لها سيطرة عليها، بينما حرقت أوراقها الأخرى بيدها وتتحمل كامل المسئولية عنها بسبب قراراتها الخاطئة واندفاعاتها غير المحسوبة بحرص وحذر وبخاصة في سوريا واليمن حيث وصل تورطها فيها نقطة الذروة.

خطأ السعودية القاتل هو أنها استخدمت ورقة التطرف الديني وجماعاته كسلاح تحارب به خصومها على الساحتين السورية واليمنية، وكانت هي التي أطلقت شرارة هذه الأزمات والحروب المدمرة في الدولتين وكانت النتائج كارثية على كل المستويات السياسية والأمنية والاستراتيجية. ورغم فداحة النتائج فان السعودية لم تحاول أن تنسحب أو أن تنهي تورطها لتعيد ترتيب أوراقها ومراجعة أولوياتها على ضوء هذا الواقع العربي والاقليمي المتغير، واستمرت على عنادها وتصلبها واصرارها على متابعة نفس الأهداف باستخدام نفس الآليات في ظروف غير التي بدأت منها الانطلاق بسياستها في مواجهة ايران للحد من نفوذها وانتشارها الاقليمي. تزامن ذلك مع تطور آخر، وهو أنه لم يعد للسعودية الكلمة المسموعة في مجلس التعاون الخليجي كما اعتادت، وانما ظهر على الساحة الخليجية من يتحدونها ويحاولون سحب البساط من تحت أقدامها، ويأخذوا كاميرات أمريكا والغرب بعيدا عنها، ونعني بهم قطر أساسا، وهي الدولة الخليجية التي تأوي أكبر القواعد العسكرية الأمريكية الخارجية في العالم. وهذه القواعد كانت فيما مضي الورقة التي تلعب بها السعودية قبل أن ينتقل الدور منها الي قطر.

وبالنتيجة، فان السعودية لم تعد قادرة على حماية أمن دول الخليج علي نحو ما فعلت مع الكويت عام 1990 بعد غزو صدام لها. فالمعادلات تغيرت، وقاعدة الحسابات اختلفت، كما أن دول المجلس لم تعد ما كانت عليه وقتها اي منذ ربع قرن. فالدور السعودي في المجلس قد تقلص وتراجع بحدة لا تخفي. وفي الجامعة العربية لم يعد للدور السعودي القدرة علي أن يعكس نفسه بالقوة التي اعتاد أن يكون عليها، ولم تعد له بصمة بارزة في خطط وسياسات ومشاريع الجامعة، وأما عن النفط السعودي فانه لم يعد عاملا مؤثرا في أسواق النفط الدولية حتي أنه فقد الكثير من عوامل نفوذه وتأثيره.

وأما عن الودائع السعودية في الولايات المتحدة والتي تقدر بحوالى ثمانمائة مليار دولار فإنها عرضة للتجميد وفاء بالتعويضات التي سوف تتقرر لذوي ضحايا هجمات 11 سبتمبر، والخلاصة هي أن السعودية رهنت سياساتها بل ومصيرها بالحماية الأمريكية لها، وكان خيارها الاستراتيجي الوحيد وان لم يكن الخيار الأنسب والأصح.
القانون الجديد سوف تكون له عواقبه المدمرة على السعودية لأنه سوف يضعها رغما عنها أمام مجموعة من الخيارات المكلفة كخيار الاصطدام المباشر باتلقوة الأمريكية، أو خيار الاذعان والاستسلام، أو خيار الانسحاب والانزواء والابتعاد عن ساحة المواجهات التي ورطت نفسها فيها ولا تزال. القرار بيدها، وأوراقها محدودة وغير مؤثرة، والساحة العربية ممزقة وفي حالة يرثي لها، وايران تقوي وتنتشر، وتركيا كحليف للسعودية لن تساندها الا في أضيق الحدود، وسوف تحمل الأيام القادمة ما قد لا يخطر على البال.

مقالات ذات صلة

إغلاق