أفق التسوية السياسية في اليمن في ضوء المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية.. رؤية استشرافية

محويت نت

عقد “منتدى مقـــــــــاربات” الذي ينظمه مركز الدراسات الاستراتيجية والاستشارية اليمني حلقة نقاشية بعنوان “أفق التسوية السياسية في اليمن في ظل المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية.. رؤية استشرافية عامة” وذلك عصر يوم الأربعاء الموافق 23 أغسطس 2017م.

 حضر المنتدى من الأكاديميين والسياسيين والإعلاميين، الدكتور/ أحمد عبد الملك حميد الدين، الدكتور/ إسماعيل المحاقري، الأستاذ/ أحمد الحبيشي، الأستاذ/ محمد عايش، الأستاذ/ محمد المنصور، الأستاذ/ سليم المغلس عضو المجلس السياسي لأنصار الله عضو الوفد الوطني المفاوض، ومن مركز الدراسات الاستراتيجية والاستشارية اليمني الأستاذ/ عبد الملك العجري عضو المجلس السياسي لأنصار الله رئيس المركز، الأستاذ/عبد السلام المحطوري رئيس دائرة الدراسات والبحوث في المركز مسؤول برنامج المنتدى، الأستاذ/ يحيى شرف الدين، الأستاذ/ توفيق أبو هادي، وكان المتحدث الرئيسي ومعد ورقة العمل لهذه الحلقة من المنتدى الأستاذ/ عبد الخالق النقيب، نعرض فيما يلي ورقة العمل الرئيسية ثم آراء وتوقعات المشاركين في المنتدى والتي توزعت بين التفاؤل وعدم التفاؤل:

أولاً: عرض لما تضمنته ورقة العمل الرئيسية والتي سعت لتقديم رؤية استشرافية عامة لمستقبل التسوية وفق معطيات ومدارات التأثير المحلية والإقليمية والدولية، والعوائق التي تقف في طريق التوصل إلى تسوية للأزمة والحرب على اليمن حيث جاء في الورقة:

أن تعدد اللاعبين الإقليميين والدوليين وتناقض أجنداتهم في اليمن، لازال يمثل تهديداً خطيراً يحول دون أي تقارب سياسي مفترض، وأن مصير أي تسوية سياسية لم يعد مرتبطاً بمدى توافق الأطراف اليمنية، بل بمدى رغبة تحالف العدوان الذي يرى في الانتقال نحو عملية سياسية تطوراً منطقياً لفشله الذريع في الحسم العسكري، وأن صعوبة القبول بنتيجة الحرب على هذا النحو يدفع دول العدوان للاستفادة من نفوذها في اللعب على مدارات التأثير لإهدار الفرص الحقيقية التي تتطلبها معطيات الحل، والسعي وراء إفشال وتعطيل الانخراط في حوار سياسي جاد. ولكون طبيعة الدور الذي جاء لأجله تحالف العدوان لم تكتمل فصوله بعد، لارتباطه بأدوات تسوية الملعب اليمني الهادفة إلى خلق حالة سياسية منسجمة مع مشاريع التطبيع مع إسرائيل ومشروع إعادة رسم التحالفات التي تتفق عليها إرادة الأطراف الدولية ذات النفوذ وارتباط تسويتها بملفات المنطقة في سوريا والعراق وليبيا وقطر، وهو ما لم يتحقق يمنياً ، ما يعني إبقاء الملف اليمني مفتوحاً ومحكوماً عليه باستمرار القتال ومواصلة تقويض الفرص الحقيقية التي قد تتيح أرضية صلبة ومتماسكة للحل، ويمكن البناء عليها خلال الذهاب نحو تسوية سياسية متينة تضع حداً لهذه الحرب.

موقف القوى الوطنية من الأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن.

الدور المثير للجدل الذي تجسده الأمم المتحدة عبر مبعوثها الدولي إلى اليمن/ إسماعيل ولد الشيخ، بات جزءاً من المشكلة بدلاً من أن يكون شوكة الميزان في معادلة الحل، وهو ما انعكس على حالة التأزم وتعقيداتها في المشهد السياسي والعسكري،  يحضر فيه ولد الشيخ منتهكاً لمعايير أداء الوسيط ومعايير أداء الدور الأممي المفترض، وشواهد ذلك كثيرة منذ مشاورات الكويت وتبني مبادرة اللجنة الرباعية “الولايات المتحدة ـ بريطانيا ـ المملكة العربية السعودية ـ الإمارات”، وأخيراً انخراطه في تبني مبدأ المساومة المكشوفة ومقايضة ميناء الحديدة بدفع المرتبات لموظفي الدولة والذي تحول فيه ولد الشيخ إلى مبعوث للسعودية، باعتبارها خطوة صادمة ليس لها علاقة بأي دور أممي أو مهمة إنسانية من شأنها إنهاء الحرب، ما يفسر تحرك الموفد الدولي إلى اليمن وهو مرغم على مسايرة الاعتبارات الاستراتيجية لخطط التحالف السعودي العسكري ومعاركه الميدانية، وبالتالي فإن أداء الأمم المتحدة الذي يتعامل مع المدنيين كجزء من الحرب وليسوا ضحايا لها، ما يشكل منعطفاً خطيراً في المهمة الأممية كونه يضر بسلامة مسار العمل السلمي الوحيد في حرب اليمن المنسية التي ترعاه الأمم المتحدة وبمساعدة الدول الخمس دائمة العضوية.

وفي ظل عدم واقعية الحلول المطروحة وهذا الأداء المتناقض يصعب على القوى الوطنية المناهضة للعدوان المتمثلة في “أنصار الله والمؤتمر وحلفائهما” الرضوخ لحلول جاهزة ظلت المعارك الدائرة على امتداد الساحل الغربي هي الكلمة الفصل فيها، وهو المسار المشبوه الذي دفع بأطراف صنعاء لمقاطعة المبعوث الأممي وحشره في زاوية حرجة إلى أن يتم الاستجابة بتغييره كخيار وحيد لكسر الجمود الذي اعترى جهود السلام في اليمن، وفق التطورات السياسية والعسكرية وبما يسهم في بلورة أفكار جديدة تساعد على ابتكار الحلول وإقناع الفرقاء بجدوى مناقشتها، بدلاً من مساعدة التحالف العسكري السعودي في إهدار الفرص.

فالقوى الوطنية (أنصار الله والمؤتمر) لن تجازف في مسايرة الخط الذي اعتمدته الأمم المتحدة عبر مبعوثها الدولي إلى اليمن حتى لا تخسر في السياسة ما حافظت عليه وحققته بالحرب.

تطورات الوضع العسكري

في ضوء التطورات العسكرية التي حدثت في مسرح العمليات براً وبحراً وعلى الحدود تنعكس تأثيرات الصراع على الأرض بوصفها نقطة تحول مهمة لقراءة أي المسافات أقرب بينها وبين الحسم العسكري، أم الذهاب نحو تسوية سياسية حتمية.

مسرح العمليات الحدودي

استفاد الجيش اليمني واللجان الشعبية من تنامي القدرة الصاروخية وتحييده لمنظومة الدفاع المتطورة التابعة للقوات السعودية، وتكثيف هجماته الصاروخية على أهداف عسكرية واقتصادية داخل العمق السعودي، آخرها ما كشفت عنه تقارير البنتاغون الأمريكية إثر استهداف مصافي “ينبع” السعودية وما سبقها من أهداف، وهو تطور يهدد أمن السعودية ويجعل مدنها في مرمى نيران الجيش واللجان الشعبية، ما يعني أنه تكتيك قادر على إجبار السعودية على الدخول في مفاوضات مباشرة، بعد نجاح هذا النوع من الخيارات الاستراتيجية في إرغام السلطات السعودية على إفراغ المناطق الحدودية من سكانها، وما يترتب عليه أيضا من تداعيات اجتماعية واقتصادية وأمنية، كما أنه يعد أحد الاحترازات الاضطرارية لتفادي الخسائر البشرية الناجمة عن سقوط المقذوفات الصاروخية الصغير غير القابلة للاعتراض.

مسرح العمليات البحرية

عزز الجيش اليمني واللجان الشعبية قدرته في اصطياد القوات البحرية المتطورة للتحالف العسكري السعودي، آخرها نجاحه باستهداف إحدى السفن الحربية المقاتلة التي كانت ترسو في رصيف ميناء المخا، وقبلها هجوم مارس قبل الماضي على فرقاطة تابعة للبحرية الملكية السعودية، ومقاتلة لوجستية تابعة للبحرية الإماراتية في يونيو، كأبرز الضربات الموجعة التي تلقاها التحالف وهو النجاح الذي يغير من موازين القوى، وأفشل مخطط العدوان الرامي للسيطرة على الساحل الغربي وميناء ومدينة الحديدة، وبالتالي إحباط وإفشال محاولاتهم العسكرية المتكررة في فرض مخطط الأقاليم بالقوة وحصر القوى الوطنية “أنصار الله والمؤتمر” في الإقليم المسمى “إقليم آزال”، والذهاب لاحقاً إلى حوار محسوم النتائج.

مسرح العمليات البرية

التطور المستمر للقدرة الصاروخية التابعة للجيش اليمني واللجان الشعبية لعب دوراً بارزاً في مجريات الحرب الدائرة وفي كسب المعارك وفي فرض حالة تهديد دائمة تطال المرتزقة وحلفاء معسكر التحالف السعودي، ونجاح القوة الصاروخية الفريد في اختراق وكسر التفوق الهائل لفارق ونوعية التسليح المتطور للعدوان، وتحقيق توازن عسكري مذهل، بعد أن ألحقت بهم خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، كما أن الجيش اليمني واللجان أظهرا براعة في التخطيط لها وتوظيف استخدامها والدقة في اصطياد الأهداف النوعية التي أودت بحياة العشرات من الجنود الإماراتيين والبحرينيين والسوادنيين والسعوديين وبقية شركائهم في مختلف الجبهات.

الوضع الإنساني

“عاصفة الحزم” المعنية بتبعات الحصار والحرب التي تقودها ضد اليمن منذ عامين ونصف العام تمضي في خلق الظروف المواتية لتفشي وباء الكوليرا ووباء السحايا، وهي أوبئة قاتلة يقف العدوان خلفها من كل الاتجاهات، فالموت الذي يوزعه طيران التحالف على المدنيين الأبرياء، يتم بصورة انتقامية تم استخدامها في الحروب قديماً، وكأنه قد بات من الممكن معاقبة اليمنيين بيولوجياً بعد فشلت عمليات عاصفة الحزم عسكريا على الأرض، سيما ودولتي التحالف “السعودية والإمارات” لم تقدما بادرة لجعل المشاهد أقل ضراوة مما هي عليه الآن، لاعتبار أن التحالف وحده من يمكنه تقديم دليل عملي ينفي عنه تهمة تحويل وباء الكوليرا ووباء السحايا إلى حرب بيولوجية واستخدام المدنيين الأبرياء في حربها بدم بارد، دون أدنى محاولات لتجنيبهم مألات الصراع.

من جانب آخر فإن إصرار قيادة تحالف العدوان على موقفها الرافض لفتح مطار صنعاء أمام الرحلات المدنية والإنسانية كحد أدنى، يصفه المراقبون بجرائم حرب، وأن ذلك يأتي ضمن سلسلة طويلة من الحقائق والانتهاكات التي اصطدم بها العالم وتضع علامات استفهام عريضة عن مصير المدنيين في ظل وضع إنساني يتداعى إلى مزيد من الانهيار، إن لم تشهد الحرب في اليمن فرض حالة من السلم الإنساني والتدخل الدولي العاجل.

الضغط الدولي

ترى المنظمات الإغاثية والدولية والإنسانية وبعض العواصم الغربية أن المدنيين في اليمن يدفعون ثمن حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وأن محاولات تحييدهم عن كل أنماط الصراع قد باءت بالفشل، فيما التحذيرات المتكررة التي تطلقها بوجه الأطراف وتخص بها الطرف الأقوى والمتحكم في مسار الصراع “عاصفة الحزم” قد وصلت إلى طريق مسدود ولم تلقَ استجابة مسؤولة تضع حداً لكل الانتهاكات التي تطال المدنيين الأبرياء.

إضعاف الدور الأممي إزاء حرب التحالف في اليمن انعكس على مجمل الانتهاكات بحق المدنيين التي لا تجري على هامش الصراع بل صارت جزءاً من حيثياته الأساسية وأدواته المستخدمة بصورة علنية، ورغم الضغوط التي مورست لم يتغير شيء في المشهد، ولازال مستقبل مطار صنعاء حتى اللحظة غامضاً رغم تسبب إغلاقه في وفاة أكثر من 13000 مواطن منعوا من السفر للعلاج في الخارج، وأن أكثر من 95000 مدني ينتظرون ذات المصير، وعلى عكس ما قد يذهب  إليه البعض فإن رفض الأمم المتحدة للعرض السعودي بإدارة وتسيير مطار صنعاء رد منطقي وليس مفاجئ ، لاعتبار أن إغلاق التحالف للمطار جاء بدون مسوغات ولا يحمل تبريرات مشروعه يمكن الاستناد عليها، وأن أي اشتراطات جديدة للتحالف تحمل شكلاً من أشكال المراوغة، وتأتي في إطار الترتيبات التفاوضية للحصول على تنازلات أكبر من طرف صنعاء سواءً فيما يتعلق بميناء الحديدة، أو ما يتعلق بنمط التفاوض عند الانتقال لمسار سياسي قادم.

هندسة الصراع في المناطق والمحافظات الجنوبية

في معادلة الصراع في المناطق والمحافظات الجنوبية تحضر السعودية عن طريق هادي وحكومته، بينما تحضر الإمارات عن طريق قيادات الحراك الجنوبي وقوات الحزام الأمني وقوات النخبة الحضرمية، وفي الفترة الأخيرة قوات النخبة الشبوانية، وبناء على جملة من الحسابات والأهداف الاستراتيجية غير المعلنة فلن يكون هناك وجود لما يسمى بالشرعية.

وبالنظر إلى الملابسات الجارية في المناطق والمحافظات الجنوبية وتمايزها بعد الأزمة الخليجية فقد قبلت السعودية بالعمل مع الإمارات ضد الإخوان واتفقتا على استبدال ملعب المناطق والمحافظات الجنوبية بتسوية ملعب ما يسمى “السلطة الشرعية”، فما سيتم هو إبراء الشرعية من المسخ الذي أصيبت به من قبل السعودية قبل الذهاب إلى الكويت، وإعادة خالد بحاح، وبالتدرج سيتم التخلص من منظومة الإخوان مقابل تخلي الإمارات عن فصيل الحراك الجنوبي، مستفيدة من حالة الفوضى والاقتتال اليومي المسلح وتدهور المعيشة وانقطاع الخدمات، ورغم مرور عامين على احتلال المحافظات الجنوبية، إلا مرحلة الإعمار الملزم لدول التحالف وفق التزاماتها الدولية لم تبدأ، هكذا تعيد دولتي التحالف ترتيب خططها لاستخدام عدن والمحافظات الجنوبية كقاعدة لوجستية وبشرية تقاتل بها وتصنع منها حاميات وكتائب وأحزمة وأجنحة مسلحة، ترضخ لتعليماتها العسكرية، لتتمكن من استهلاكها وفق التزامات مزدوجة تارة لقواعد الاشتباك التي فرضها الصراع على السلطة في اليمن، وتارة أخرى لخيارات قتالية تفرضها الأطماع والطموحات التي يتم التنازع عليها داخل دول التحالف كأهداف استراتيجية احتلالية تقف وراء الحرب على اليمن..! وما الشرعية وخطر المد الإيراني إلا مشجب لهذه الحرب المدمرة..

مبادرة البرلمان اليمني

المبادرة التي أعلنها البرلمان اليمني في صنعاء وتلخصت بإخضاع ميناء الحديدة ومطار صنعاء مع باقي الموانئ الجوية والبحرية لإدارة أممية، مقابل دفع المرتبات لموظفي الدولة، تظل مبادرة خارج دائرة التأثير على مسار التسوية اليمنية لعدة اعتبارات:

الأول: أن البرلمان يخضع لصيغة توافقية تفرضها طبيعة المرحلة والتزامات الشراكة، وبما أن المبادرة لم تحظ بالإجماع، ولاقت انتقادات طرف شريك فإنها ليست ملزمة ولا يعتد بها ضمن أي مسار قادم للتسوية السياسية.

           الثاني: المخاطب أممياً في التفاوض هما “أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام ” باعتبارهما المخولين رسمياً في أي توافق سياسي قادم.

          الثالث: أن مبادرة البرلمان المعلنة خالية من أي احتضان دولي وازن يمكن أخذ الاعتبار له، ما يعني فقدان المبادرة لقيمة ذات تأثير في ميزان الاستجابة أو التجاوب معها سلباً أو إيجاباً.

        الرابع: أياً تكن الإشارة التي أراد البرلمان إيصالها من خلال مبادرته فإشارته قد وصلت وانتهت أيضاً، وهو التأثير الغائب، ما يعني عدم نفاذها وقبول طرحها للنقاش على طاولة التفاوض.

الأزمة الخليجية الثلاثية مع قطر

إن قرار السعودية والإمارات بخوض أزمة مفتوحة مع قطر، ودخولها في طور التصعيد والتدويل، يفسر حالة الاندفاع غير المنطقية في إدارتها لكل ملفات المنطقة، بما فيها ملف اليمن وعمليات التحالف العسكري فيها، ما يعني افتقارها لاستراتيجية واضحة المعالم والرؤى وتنقلها بين الملفات للعب أدوار متعارضة ومزدوجة، ما يعزز فرضية انحسار وتضاؤل الفرص المتبقية أمام عاصفة الحزم، وبعثرت أهدافها التي عجزت عن تحقيقها منذ عامين ونصف العام، باعتبار أن التوترات الحاصلة في منطقة الخليج ستنعكس بالضرورة على عمليات التحالف التي ستشهد تحولا كبيرا في العلاقات وتصنيفات بينية تطفو على السطح وتأخذ نصيبها من الجدل والتصادم وربما الاقتتال البيني في صفوفها.

السعودية تبحث عن دور كبير وتفكر في زعامة العالم العربي والإسلامي، فهي تمضي في استهلاك هذا الطموح كمبرر لهذا الصراع العبثي الذي يدفع بها إلى المقامرة، معتمدة على ثروتها في خوض مغامرات الوصول إلى ما تريد، دون أن يعنيها القفز على التزاماتها السابقة والحالية، وبالتالي تحويلها إلى أعباء إضافية وجديدة، وفي النهاية لن تحصل على انتصارات يمكن ترجمتها إلى حقائق عملية من أي نوع، سوى الضجيج الإعلامي المكلف والباهض الثمن.

اليمن ليست بعيدة عن توترات الأزمة الخليجية مع قطر باعتبار أن الأولوية باتت الآن في التركيز على مآلاتها الآخذة في التصعيد بعد رفض قطر الاستسلام، وانتقال الأزمة إلى دائرة التدويل بدخول تركيا وإيران بمشاركة عسكرية محتملة، ومواصلة توسيع رقعة القطيعة والعداء الفج مع قطر وخنقها دون أن تدرك الدول الثلاث أنها بذلك تدفعها إلى الزاوية التي تخدم إيران وتمنحها فرصة استثمارها جيداً.

كما أن هذه الحالة من التصعيد تجبر السعودية والإمارات على ضرورة مواجهتها دبلوماسياً ودولياً وبتمويل حملاتها واستعداداتها على حساب عمليات التحالف العسكري في اليمن، وهو الأمر الذي سيحدث تغييراً كبيراً في أداء المعارك وإدارة الحرب، وبإنهاء مشاركة قطر في عمليات التحالف وانسحاب قواتها وإيقاف تمويلها المادي، تقلصت معارك “عاصفة الحزم” وتراجعت إلى السعودية والإمارات، ما يفقد مستوى وقيمة المشاركة للدول الخليجية.

قطر أعادت ترتيب طريقتها في إدارة الملف اليمني وانتقلت به إلى دور جديد مناهض لعمليات التحالف العسكري في اليمن بفعل دخول المواجهة مراحل متقدمة من كسر العظم مع قيادتي السعودية والإمارات.

قطر بحاجة الآن لتغيير قواعد اللعبة كلياً وتوسيع قاعدة تواصلها في المنطقة، وبناء تحالفات جديدة تضمن من خلالها القدرة على التأثير وتعديل ميزان القوى مع السعودية والإمارات، وهذا لن يتأتى إلا عبر انفتاح قطر على خصوم السعودية والإمارات في المنطقة، ومنها اليمن التي بات الاعتماد على فصيل الإخوان فيها أمرا لا يمكن الرهان عليه، سيما وأن الإخوان في اليمن ليس لديهم رؤية للتعاطي مع المتغيرات الجديدة، غير أنهم مضطرين لمواصلة القتال تحت سقف التحالف العربي الذي يخوض حرباً علنية ومفتوحة ضد الإخوان وعلى نطاق دولي أوسع، وستتجه قطر لتعزيز وتقوية حضورها في الداخل اليمني بصيغة جديدة، باعتبار اليمن أهم ملفات التأثير والاستحواذ في المنطقة والخليج.

قراءة في الداخل السعودي

أراد محمد بن سلمان من خلال “عاصفة الحزم” أن يدشن بها حضوره الدولي، وأن يفتح الأبواب واسعة أمام تطلعه نحو منصة التتويج وحلمه بأن يكون الملك الثامن للمملكة بلا منازع أو منافس، ورغم أن عاصفة الحزم قد فشلت في تحقيق أي من أهدافها المعلنة، إلا أنه استطاع بأريحية تامة استخدامها في إخماد أصوات الجميع، وليصبح بعدها الحاكم الفعلي للمملكة.

لذلك عمل على خلط الأوراق وإرباك المنطقة بالأزمات، بل وتعنيف المشهد سياسياً وعسكرياً لخلق حالة تأزم شديدة في المجتمع السعودي تجرُّه نحو تأثيرات مفتعله من شأنها إنتاج مجموعة عوامل شديدة التأثير يتم استهلاكها كشواهد مفزعة تمس السلم الأهلي للبلاد، كما يسهل تحويرها إلى تبريرات وازنة تتيح تسريع خطوات تغيير النظام الأساسي للحكم، وبدون تلك الفوضى والاختلالات لا يمكن ضمان انتقال الحكم الملكي إلى عائلة سلمان بشكل مريح، فليس من حق “سلمان” وهو الملك السابع للملكة تنفيذ انقلاب على مستوى من الخطورة، قبل إنجاز ترتيبات حاسمة مع الإدارة الأمريكية من جهة، والمؤسسة الدينية المتمثلة بهيئة كبار العلماء من جهة ثانية، ومنظومة الأسرة الحاكمة من جهة أخرى، واسترضاءها قبيل تنصيب محمد بن سلمان ولياً للعهد ليصبح وريثاً للعرش بعد والده سلمان.

لقد صار محمد بن سلمان ولياً للعهد كأمر مفروض يصعب تجاوزه، وبات بديهياً أن يتنازل الملك سلمان عن الحكم لصالح نجله محمد ويبقى الجدل منحصرا في التوقيت فقط، هذا ما يخطط له الملك سلمان ليطمئن على مشروعه المتمثل بتثبيت عرش نجله وهو لا يزال على قيد الحياة، ما يعني أنها المرة الأولى في تاريخ المملكة السعودية التي ينجح ملك من أبناء المؤسس عبد العزيز في افتعال سلسلة من الأزمات والإرهاصات الواسعة تمهد لتنصيب ابنه ولياً للعهد، فيما حاول الملوك “سعود، وفيصل، وفهد، وعبد الله” فعل ذلك وفشلوا.! باعتبار أن حصر السلطة في فرع واحد من أبناء الملك وليس في العائلة المالكة أمر يستحيل تحقيقه في حال تعيش المملكة ظروفاً طبيعية، بوصفه تحول يغير تاريخ حكم آل سعود ويجعل الخاسرين من نمط التغيير يتكاثرون إلى قدر يصعب التكهن بما سوف تكون عليه ردود الفعل والمقاومة من البنية القديمة داخل أسرة آل سعود.! ما استدعى اللعب على “مدارات التأثير”، والاندفاعة الشديدة في شكل ومستوى التدخل العسكري في حروب دول المنطقة، والارتكاز على حرب اليمن كمحور أساس لإعادة انتاج الحكم بالطريقة السلمانية.!

حرب اليمن التي أطلقها محمد بن سلمان عقب ثلاثة أشهر من تولي والده عرش المملكة، وضعت تحت يده أضخم ميزانية تسليح تاريخية على الإطلاق، وحققت رغبته في إغراء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي التقاه في 14 آذار الماضي بصفقات تسليح مفتوحة، جعلت منه رجل أمريكا الأول في السعودية بدلاً عن محمد بن نايف الذي كانت تعول عليه أمريكا لحكم البلاد، وبعد زيارة ترامب للرياض الذي عاد بعدها إلى بلاده مبشراً بغنيمة باهظة الثمن لقاء صفقة سميت بـ”صفقة القرن”، فضمن الأمير موافقة حاسمة من الإدارة الأمريكية في توليه العرش.

منذ وقت مبكر اشتغلت آلة دعائية فتاكة بصحبة المؤسسة الدينية المتمثلة في هيئة كبار العلماء عزفت على وتر الخطر الإيراني المجوسي على الحد الجنوبي للمملكة، وانسجمت المؤسسة الدينية في مسايرتها بحماسة منقطعة النظير، وبذلك يكون الأمير قد حصل على الموافقة الثانية التي تربطه بمنصة التتويج، وتبقى تقديم ضمانات شكلية وترضيات داخل منظومة الأسرة الحاكمة أتت لاحقاً بتعديل المادة الخامسة من النظام الأساسي السعودي.

ثمة احتمال يقول أن محمد بن سلمان ربط مصير وصوله إلى الحكم وتثبيت عرشه بمصير الحرب في اليمن، ما يعني بنظر نخبة المراقبين أنه لايزال هناك متسع من الوقت أمام الحرب في اليمن، وسيكون من الصعب على محمد بن سلمان التخلي عن حرب اليمن بسهولة، لضمان استثمارها في مواجهة أي تقلبات مباغتة قد تنحرف بمسار توليه الحكم في أي لحظة من اللحظات.

هزائم المحور السعودي الداعشي في العراق وسوريا

بالنظر إلى المحور السعودي في المنطقة فقد أخذت تتسع دائرة الهزائم الضمنية التي تتلقاها المملكة في المنطقة ومنيت بها بصورة متلاحقة، وبعد أن الحقت الهزائم بدولة داعش في الكثير من مناطق ومدن العراق وسوريا، خسرت المملكة أهم أوراق اللعب التي ظلت تراهن بها في المنطقة وفق منهجيتها المتطرفة، ووجدت الآن نفسها مضطرة للتعامل مع الرئيس السوري بشار الأسد كأمر واقع لا يمكن تجاوزه، بعد أن كانت لا تقبل مجرد الخوض والنقاش فيه.

ما سيدفع المملكة لإدارة الملف اليمني ضمن دائرة الملعب في المنطقة، وفي حال ذهبت الأمور في الشأن السوري إلى اتفاقات تسوية مع المعارضة وحكومة النظام السوري، ففي المقابل ستذهب المملكة لتسوية الملف اليمني وفق آخر المتغيرات التي يفرضها ميدان المعارك.

زيارة المبعوث الدولي إلى المنطقة

بعد أن عجز الموفد الدولي إلى اليمن/ إسماعيل ولد الشيخ في إحداث أي خرق في الملف اليمني يقوم بمحاولات لإيهام المجتمع الدولي والرأي العام العالمي بأن هناك توجه لحل سياسي في اليمن، وأنه لازال في طريقه للنجاح، ويؤدي دوره بصورة جيدة، في وقت بات التواصل بينه وبين حلفاء صنعاء كأطراف رئيسية على طاولة المفاوضات مع بقية الأطراف شبه منقطع.

يبقى الهدف الوحيد الذي يبحث عنه ولد الشيخ هو تحركه المعتاد قبيل انعقاد جلسات مجلس الأمن والتي تخصص لمناقشة الملف اليمني، والذي يساعده في توفير مادة لتقريره المقدم في كل جلسة، وربما يذهب في بعض رسائله لتقديم إيحاءات سلبية عن وجود دور إيراني وثيق ومشاركة إيرانية في رفع وتيرة التصعيد العسكري في حرب اليمن خدمة لفكرة أساسية يسعى تحالف العدوان السعودي إلى إثباتها منذ مطلع الحرب في 26 مارس 2015م.

ثانياً: آراء وتوقعات المشاركين في المنتدى بشأن أفق التسوية السياسية للأزمة اليمنية والعدوان الخارجي على اليمن والتي توزعت بين متفائلة وغير متفائلة، نعرضها بإيجاز فيما يلي:

  • أن التسويات الناجحة للحروب والأزمات هي تلك التي تبنى على أساس دستوري وقانوني، أما التسويات السياسية التي تتم بعيدا عن النصوص الدستورية والقانونية فلا يكتب لها النجاح والاستمرارية، ولدينا في اليمن نماذج من التسويات السياسية التي قادت اليمن إلى أزمات وصراعات وعدم استقرار، ومنها المبادرة الخليجية التي حكمت مرحلة ما بعد ثورة 2011م والتي عطلت النصوص الدستورية والقانونية وكان من نتائجها أن أسست بعد ذلك لحروب وصراعات لاحقة لازالت تجر نفسها على اليمن واليمنيين إلى اليوم.
  • عدم التعويل على الأمم المتحدة ومبعوثها في إيقاف العدوان السعودي الأمريكي على اليمن وإيجاد تسوية للحرب والأزمة اليمنية الداخلية، حيث أثبتت تجربة المفاوضات التي رعتها الأمم المتحدة عبر مبعوثها ولد الشيخ عبثية ذلك الدور وانحيازه إلى جانب دول العدوان وتبنيه لخيارات العدوان وفرض الحلول التي تقود اليمن إلى الاستسلام لا إلى السلام العادل الذي يحفظ حقوق جميع الأطراف.
  • أن طبيعة وشكل التسوية القادمة ستكون محكومة بعدد من الاعتبارات منها:
  • تطورات الوضع الميداني في جبهات القتال الداخلية وفي الحدود مع العدو السعودي ومدى النجاحات العسكرية التي سيحققها الشعب اليمني في معركته مع العدو السعودي.

والعلاقة بين القوى الوطنية المناهضة للعدوان، ومدى تلاحم وصمود الجبهة الداخلية، والنجاح في تجاوز الأزمات الداخلية الاقتصادية والسياسية والأمنية، كما أن طبيعة وشكل التسوية القادمة ستعتمد أيضا على مدى نجاح قوى الغزو والاحتلال من عدمه في تثبيت الأمن والاستقرار وإعادة الإعمار وتحقيق نجاحات في بناء مؤسسات الدولة في المحافظات الجنوبية من عدمه.

  • ثم المدى الذي ستصل إليه الأوضاع الداخلية السعودية المتفاقمة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا والتي تشكل مع غيرها عامل ضغط لوقف العدوان ومن ثم الاقتراب من التسوية، فالنظام السعودي يواجه عددا من الأزمات الداخلية العميقة والخطيرة والتي أصبحت تهدد بقاءه منها: أزمة انتقال الملك وخروج الحكم من أولاد عبد العزيز إلى أحفاد أحفاد عبد العزيز في سابقة هي الأولى في تاريخ نظام الحكم السعودي، ثم الأزمة الطائفية والمذهبية التي يثيرها النظام السعودي مع سكان المناطق الشرقية والتي يقطنها الشيعة، والتي دخلت منعطفا خطيرا بشن حملة أمنية وعسكرية استهدفت حياة سكان تلك المناطق ودمرت منازلهم وممتلكاتهم. أما الأزمة الأكثر تأثيرا في النظام السعودي وفي عملياته العسكرية العدوانية على اليمن، فهي الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة التي تضرب السعودية، بسبب ارتفاع فاتورة الإنفاق على العمليات العسكرية في العدوان على اليمن وارتفاع كلفة الصفقات ومشتريات السلاح، خاصة أن هذا الإنفاق الضخم يأتي في ظل تدني أسعار النفط في الأسواق العالمية، وتدني عوائد الصادرات النفطية على الموازنة السعودية، التي تعاني من عجز مالي كبير استنفذت معه السعودية احتياطياتها الخارجية من العملات الأجنبية، وتصاعدت بسبب العجز المديونية العامة للدولة، إضافة إلى تراجع الأنشطة الاقتصادية وتحقيق معدلات نمو اقتصادية صفرية حسب صندوق النقد الدولي.
  • مآلات وتداعيات الأزمة السعودية الإماراتية البحرينية مع دولة قطر والتي سيكون لها أثر إيجابي أكبر على وقف العدوان في حال تصاعدت الأزمة وأخذت أبعادا أكثر حدة.
  • إن اقتراب أفق التسوية ووقف العدوان الخارجي والحرب لا يعني انتهاء الأزمات ووقف التدخلات الخارجية في الشأن اليمني والوصول لمرحلة الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ما لم يتحقق النصر للشعب اليمني وتُلحق الهزيمة بدول العدوان وفي مقدمتها النظام السعودي.
  • أن النجاحات التي يحققها الجيش واللجان الشعبية اليمنية واستهداف العمق السعودي والمنشآت الحيوية الاقتصادية والعسكرية بمزيد من الضربات المؤثرة عبر القوة الصاروخية هي العامل الأكثر تأثيرا وضغطا على النظام السعودي، وهي وحدها الكفيلة للدفع به لطاولة الحوار وتحقيق التسوية السياسية بين الأطراف اليمنية من جهة، ووقف التدخلات الخارجية والسعودية منها على وجه الخصوص في الشأن الداخلي اليمني من جهة أخرى.
  • ليس من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الراهن وقف الحرب على اليمن، طالما بقي أنصار الله واليمنيين أقوياء وطالما بقي لدى السعوديين والإماراتيين أموال واحتياطيات خارجية من العملات الأجنبية، وبالتالي لن تسمح الولايات المتحدة للسعودية والإمارات بوقف العدوان على اليمن قبل أن تحقق أهداف
  • إن انتصارات المحور المقاوم في لبنان وسوريا والعراق ضد المحور الأمريكي الإسرائيلي السعودي الداعشي، سيدفع بالأخير لإعادة ترتيب أولوياته باتجاه إيران مباشرة في مسعى لعدم السماح لها بجني ثمار انتصارات محور المقاومة وملء الفراغ في العراق وتعزيز تواجدها العسكري في سوريا ولبنان والذي يعده المراقبون تهديدا مباشرا لأمن العدو الإسرائيلي.

مقالات ذات صلة

إغلاق